كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}.
استئناف مبين لحقارة متاع الدنيا ودناءة قدره عند الله عز وجل، والمعنى أن حقارة شأنه بحيث لولا كراهة أن يجتمع الناس على الكفر ويطبقوا عليه لأعطيناه على أتم وجه من هو شر الخلائق وأدناهم منزلة، فكراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع كل كافر والبسط عليه لا أن المانع كون متاع الدنيا له قدر عندنا، والكراهة المذكورة هي وجه الحكمة في ترك تنعيم كل كافر وبسط الرزق عليه فلا محذور في تقديرها؛ وليس ذلك مبنيًا على وجوب رعاية المصلحة وإرادة الإيمان من الخلق ليكون اعتزالًا كما ظن.
وكأن وجه كون البسط على الكفار سببًا للاجتماع على الكفر مزيد حب الناس للدنيا فإذا رأوا ذلك كفروا لينالوها، وهذا على معنى أن الله تعالى شأنه علم أنه لو فعل ذلك لدعا الناس إذ ذاك حبهم للدنيا إلى الكفر، فلا يقال: إن كثيرًا من الناس اليوم يتحقق الغنى التام لو كفر ولا يكفر ولو أكره عليه بالقتل، وكون المراد بالأمر الواحد الذي يقتضيه كونهم أمة واحدة فإنه بمعنى اجتماعهم على أمر واحد الكفر بقرينة الجواب، و{لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمال من قوله تعالى: {لِمَن يَكْفُرُ} واللام فيهما للاختصاص أو هما متعلقان بالفعل لا على البدلية ولام لمن صلة الفعل لتعديه باللام فهو بمنزلة المفعول به ولام {لِبُيُوتِهِمْ} للتعليل فهو بمنزلة المفعول له، ويجوز أن تكون الأولى للملك والثانية للاختصاص كما في قولك: وهبت الحبل لزيد لدابته وإليه ذهب ابن عطية، ولا يجوز على تقدير اختلاف اللامين معنى البدلية إذ مقتضى إعادة العامل في البدل الاتحاد في المعنى وإلى هذا ذهب أبو حيان، وقال الخفاجي: لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة، والسقف جمع سقف كرهن جمع رهن، وعن الفراء أنه جمع سقيفة كسفن جمع سفينة، والمعارج جمع معرج وعطف على {سَقْفًا} أي ولجعلنا لهم مصاعد عليها يعلون السطوح والعلالي وكأن المراد معارج من فضة بناء على أن العطف ظاهر في التشريك في القيد وإن تقدم، وقال أبو حيان: لا يتعين ذلك، وقرأ أبو رجاء {سَقْفًا} بضم السين وسكون القاف تخفيفًا وفي (البحر) هي لغة تميم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين والسكون على الأفراد لأنهم اسم جنس يطلق على الواحد وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت؛ وقرئ بفتح السين والقاف وهي لغة في سقف وليس ذلك تحريك ساكن لأنه لا وجه له.
وقرئ {سقوفًا} وهو جمع سقف كفلوس جمع فلس، وقرأ طلحة {معاريج}.
{وَلِبُيُوتِهِمْ} أي ولجعلنا لبيوتهم، وتكرير ذكر بيوتهم لزيادة التقرير ولأنه ابتداء أية {أبوابا وَسُرُرًا} أي من فضة على ما سمعت، وقرئ {سررًا} بفتح السين والراء وهي لغة لبني تميم وبعض كلب وذلك في جمع فعيل المضعف إذا كان اسمًا باتفاق وصفة نحو ثوب جديد وثياب جدد باختلاف بين النحاة {وَجَدْنَا عَلَيْهَا} أي على السرر {يَتَّكِئُونَ} كما هو شأن الملوك لا يهمهم شيء.
{وَزُخْرُفًا} قال الحسن: أي نقوشًا وتزاويق، وقال ابن زيد: الزخرف أثاث البيت وتجملاته وهو عليهما عطف على {سَقْفًا} [الزخرف: 33]، وقال ابن عباس وقتادة والشعبي والسدي والحسن أيضًا في رواية الزخرف الذهب، وأكثر اللغويين ذكروا له معنيين هذا والزينة فقيل الظاهر أنه حقيقة فيهما، وقيل: إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضًا، ويشير إليه كلام الراغب قال: الزخرف الزينة المزوقة ومه قيل للذهب زخرف، وفي (البحر) جاء في الحديث «إياكم والحمرة فإنها من أحب الزينة إلى الشيطان»، وقال ابن عطية: الحسن أحمر والشهوات تتبعه؛ ولبعض شعراء المغرب:
وصبغت درعك من دماء كماتم ** لما رأيت الحسن يلبس أحمرا

وهو على هذا عطف على محل {مِن فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] كأن الأصل سقفًا من فضة وزخرف يعني بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفًا على المحل، وجوز عطفه على {سَقْفًا} [الزخرف: 33] أيضًا.
{وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة} أي وما كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بالصفات المفصلة إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا وفي معناه ما قرئ {وَمَا كُلُّ ذلك الحياة الدنيا} وقرأ الجمهور {لَّمًّا} بفتح اللام والتخفيف على أن {إن} هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بين المخففة وغيرها وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع كما في قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الذي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] في قراءة من رفع النون، وقرأ رجاء وفي التحرير أبو حيوة {لَّمًّا} بكسر اللام والتخفيف على أن {إن} هي المخففة واللام حرف جر وما موصولة في محل جر بها والجار والمجرور في موضع الخبر لكل وصدر الصلة محذوف كما سمعت آنفًا.
وحق التركيب في مثله الإتيان باللام الفارقة فيقال: للما متاع لكنها حذفت لظهور إرادة الإثبات كما في قوله:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ** وإن مالك كانت كرام المعادن

بل لا يجوز في البيت إدخال اللام كما لا يخفى على النحوي {والآخرة} أي بما فيها من فنون النعيم التي لا يحيط بها نطاق البيان {عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ} خاصة لهم، والمراد بهم من اتقى الشرك، وقال غير واحد: من اتقى ذلك والمعاصي، وفي الآية من الدلالة على التزهيد في الدنيا وزينتها والتحريض على التقوى ما فهيا، وقد أخرج الترمذي وصححه وابن ماجه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء».
وعن علي كرم الله تعالى وجهه الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد مجذوم، هذا واستدل بعضهم بقوله تعالى: {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا} [الزخرف: 33] على أن السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو لأنه منسوب إلى البيت.
{وَمَن يَعْشُ} أي يتعام ويعرض {عَن ذِكْرِ الرحمن} وهو القرآن، وإضافته إلى الرحمن للإيذان بنزوله رحمة للعالمين، وجوز أن يكون مصدرًا أضيف إلى المفعول أي من يعش عن أن يذكر الرحمن، وأن يكون مصدرًا أضيف إلى الفاعل أي عن تذكير الرحمن عباده سبحانه، وقرأ يحيى بن سلام البصري {يَعْشُ} بفتح الشين كيرض أي يعم يقال: عشى كرضى إذا حصلت الآفة في بصره وعشا كغزا إذا نظر نظر العشي لعارض قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد

أي تنظر إليها نظر العشي لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء ولو لم يكن كذلك لم يكن لكلمة الغاية موقع وأظهر منه في المقصود قول حاتم:
أعشو إذا ما جارتي برزت ** حتى يواري جارتي الخدر

لأنه قيد بالوقت وأتى بالغاية وما هو خلقي لا يزول، وقال بعضهم: لم أر أحدًا يجيز عشوت عنه إذا أعرضت وإنما يقال تعاشيت وتعاميت عن الشيء إذا تغافلت عنه كأنك لم تره ويقال: عشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف، وهو مما لا يلتفت إليه ومثله عشى وعشا عرج بكسر الراء لمن به الآفة وعرج بفتحها لمن مشى مشية العرجان من غير عرج على ما في الكشاف، وفيه خلاف لأهل اللغة ففي القاموس يقال: عرج أي بالفتح إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقه فإذا كان خلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة، وقرأ زيد بن علي {يعشو} بإثبات الواو وخرج ذلك الزمخشري على أن من موصولة لا شرطية جازمة، وجوز أن تكون شرطية والمدة إما للإشباع أو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة على ما حكاه الأخفش، ووز كون الفعل مجزومًا بحذف النون والواو ضمير الجمع، وقد روعي فيه معنى من، وتخريج الزمخشري مبني على الفصيح المطرد المتبادر.
{الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا} أي نتح له شيطانًا ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض وهو القشر الأعلى.
{فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} دائمًا لا يفارقه ولا يزال يوسوسه ويغويه وهذا عقاب على الكفر بالختم وعدم الفلاح كما يقال: إن الله تعالى يعاقب على المعصية بمزيد اكتساب السيئات.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي والأعمش ويعقوب وأبو عمرو بخلاف عنه وحماد عن عاصم وعصمة عن الأعمش وعن عاصم والعليمي عن أبي بكر {يقيض} بالياء على إسناده إلى ضمير {مُّقْتَدِرِ الرحمن}، وقرأ ابن عباس يقيض بالياء والبناء للمفعول {شيطان} بالرفع والفعل في جميع القراءات مجزوم ولم نسمع أنه قرئ بالرفع، وفي الكشاف حق من قرأ {مِنْ} بالواو أن يرفعه أي بناء على تخريجه ذلك على أن من موصولة، وجوز على ذلك أيضًا أن يكون {يقيض} مرفوعًا لكنه سكن تخفيفًا.
وفي البحر يجوز أن تكون {صَلَحَ مِنْ} موصولة وجزم {نُقَيّضْ} تشبيهًا للموصول باسم الشرط وإذا كان ذلك مسموعًا في الذي وهو لم يكن اسم شرط قط فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولًا لا وشرطًا، قال الشاعر:
لا تحفرن بئرًا تريد اخًا بها ** فإنك فيها أنت من دونه تقع

كذاك الذي يبغي على الناس ظالما ** تصبه على رغم عواقب ما صنع

انشدهما ابن الأعرابي وهو مذهب للكوفيين، وله وجه من القياس وهو أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره فكذلك يشبه به فينجزم الخبر إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسببًا عن الصلة بشروطه المذكورة في النحو وهذا لا يقيسه البصريون.
{وَإِنَّهُمْ} أي الشياطين الذين قبض وقدر كل واحد منهم لكل واحد ممن يعشو {لَيَصُدُّونَهُمْ} أي ليصدون قرناءهم وهم الكفار المعبر عنهم بمن يعش، وجمع ضمير الشيطان لأن المراد به الجنس، وجمع ضمير من رعاية لمعنى كما أفرد أولا رعاية للفظ.
وفي الانتصاف أن في هذه الآية نكتتين بديعتين الأولى الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم وهي مسألة أضطرب فيها الأصوليون وإمام الحرمين من القائلين بإفادتها العموم حتى استدرك على الأئمة إطلاقهم القول بأن النكرة في سياق الإثبات تخص، وقال إن الشرط يعم النكرة في سياقه تعم وقد رد عليه الفقيه أبو الحسن على الأبياري شارح كتابه ردًا عنيفًا، وفي هذه الآية للإمام ومن قال بقوله كفاية، وذلك أن الشيطان ذكر فيها منكرًا في سياق شرط ونحن نعلم أنه إنما أريد عموم الشياطين لا واحد لوجهين:
أحدهما أنه قد ثبت أن لكل أحد شيطانًا فكيف بالعاشي عن ذكر الله تعالى والآخر من الآية وهو أنه أعيد عليه الضمير مجموعًا في قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ} فإنه عائد إلى الشيطان قولا واحدًا ولولا إفادته عموم الشمول لما جاز عود ضمير الجمع عليه بلا إشكال، فهذه نكتة تجد عند سماعها المخالفي هذا الرأي سكتة.
والنكتة الثانية أن فيها ردًا على من زعم أن العود على معنى من يمنع من العود على لفظها بعد ذلك واحتج لذلك بأنه إجمال بعد تفسير، وهو خلاف المعهود من الفصاحة وقد نقض ذلك الكندي وغيره بآيات، واستخرج جدي من هذه الآية نقض ذلك أيضًا لأنه أعيد الضمير على اللفظ في {يَعْشُ وَلَهُ} وعلى المعنى في {لَيَصُدُّونَهُمْ} ثم على اللفظ في {حتى إِذَا جَاءنَا} [الزخرف: 38] وقد قدمت أن الذي منع قد يكون اقتصر بمنعه على مجيء ذلك في جملة واحدة وأما إذا تعددت الجمل واستقلت كل بنفسها فقد لا يمنع ذلك انتهى.
وفي كون ضمير {أَنَّهُمْ} عائدًا على الشيطان قولا واحدًا نظر، فقد قال أبو حيان: الظاهر أن ضمير النصب في {أَنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} عائد على من على المعنى وهو أولى من عود ضمير {أَنَّهُمْ} على الشيطان كما ذهب إليه ابن عطية لتناسق الضمائر في {أَنَّهُمْ} ومن بعده فلا تغفل {عَنِ السبيل} المستبين الذي يدعو إليه ذكر الرحمن {وَيَحْسَبُونَ} أي العاشون {أَنَّهُمْ} أي الشياطين {مُّهْتَدُونَ} أي إلى ذلك السبيل الحق وإلا لما اتبعوهم أو يحسب العاشون أن أنفسهم مهتدون فإن اعتقاد كون الشياطين مهتدين مستلزم لاعتقاد كونهم كذلك لاتحاد مسلكهما.
والظاهر أن أبا حيان يختار هذا الوجه للتناسق أيضًا، والجملة حال من مفعول {يَصِدُّونَ} بتقدير المبتدأ أو من فاعله أو منهما لاشتمالها على ضميريهما أي وأنهم ليصدونهم عن الطريق الحق وهم يحسبون أنهم مهتدون إليه.
وصيغة المضارع في الأفعال الأربعة للدلالة على الاستمرار التجددي لقوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءنَا} فإن {حتى} وإن كانت ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية لكنها تقتضي حتما أن تكون غاية لأمر ممتد وأفرد الضمير في جاء وما بعده لما أن المراد حكاية مقالة كل واحد من العاشين لقرينه لتهويل الأمر وتفظيع الحال والمعنى يستمر أمر العاشين على ما ذكر حتى إذا جاءنا كل واحد منهم مع قرينة يوم القيامة {قال} مخاطبًا له: {قال ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} أي في الدنيا، وقيل: في الآخرة {بُعْدَ المشرقين} أي بعد كل منهما من الآخر، والمراد بهما المشرق والمغرب كما اختاره الزجاج والفراء وغيرهما لكن غلب المشرق على المغرب وثنيا كالموصلين للموصول والجزيرة وأضيف البعد إليهما، والأصل بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق وإنما اختصر هذا المبسوط لعدم الإلباس إذ لا خفاء أنه لا يراد بعدهما من شيء واحد لأن البعد من احدهما قرب من الآخر ولأنهما متقابلان فبعد أحدهما من الآخر مثل في غاية البعد لا بعدهما عن شيء آخر، وإشعار السياق بالمبالغة لا ينكر فلا لبس من هذا الوجه أيضًا، وقال ابن السائب: لا تغليب، والمراد مشرق الشمس في أقصر يوم من السنة ومشرقها في أطول يوم منها {فَبِئْسَ القرين} أي أنت، وقيل: أي هو على أنه من كلامه تعالى وهو كما ترى.
وقرأ أبو جعفر وشيبة وأبو بكر والحرميان وقتادة والزهري والجحدري {جاءانا} على التثنية أي العاشي والقرين.
وقوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ} الخ حكاية لما سيقال لهم حينئذ من جهة الله عز وجل توبيخًا وتقريعًا، وفاعل {يَنفَعَكُمُ} ضمير مستتر يعود على ما يفهم مما قبل أي لن ينفعكم هو أي تمنيكم لمباعدتهم أو الندم أو القول المذكور {اليوم} أي يوم القيامة {إِذ ظَّلَمْتُمْ} بدل من {اليوم} أي إذ تبين أنكم ظلمتم في الدنيا قاله غير واحد، وفسر ذلك بالتبين قيل لئلا يشكل جعله وهو ماض بدلًا من {اليوم} وهو مستقبل لأن تبين كونهم ظالمين عند أنفسهم إنما يكون يوم القيامة فاليوم وزمان التبين متحدان وهذا كقوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

وأورد عليه أن السؤال عائد لأن {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان ولا يخرج عن ذلك باعتبار التبين وتقصى بعضهم عن الإشكال لأن إذ قد تخرج من المضي إلى الاستقبال على ما ذهب إليه جماعة منهم ابن مالك محتجًا بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الإغلال} [غافر: 70، 71] وإلى الحال كما ذهب إليه بعضهم محتجًا بقوله سبحانه: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] فلتكن هنا للاستقبال، وأهل العربية يضعفون دعوى خروجها من المضي.
وقال الجلبي: لعل الأظهر حملها على التعليل فيتعلق بالنفي، فقد قال سيبويه: إنها بمعنى التعليل حرف بمنزلة لام العلة، نعم أنكر الجمهور هذا القسم لكن إثبات سيبويه إياه يكفي حجة:
فإن القول ما قالت حذام